مدوّنات

الزجل الفلسطيني

الزجل الفلسطيني

الزجل الفلسطيني

اختار له الكاتب والفيلسوف العربي جبران خليل جبران تعريفا فقال إنه “باقة من الرياحين قرب رابية من الحطب”، إنه أدب فلسطين وتراثها، انتمت إليه في السعة والسراء واحتمت فيه بأزمنة القهر والضراء.

وكما يصفه المؤرخ حنا الفاخوري فهو “قول غير فصيح ينبض من عمق حياة الإنسان”، فهو النغمة السحرية التي تتصاعد من النفوس وتعبر عنها الشفاه.
يبدو الزجل في تاريخ فلسطين وحاضرها كمصفوفة حجارة لوحة فسيفسائية عتيقة هائلة ملونة، تنوعت نظمه ومسمياته وأغراضه، لتعكس جمالا نادرا، يمتد من غور النهر إلى شاطئ البحر.

الزجل.. كلام العوام الموزون

الزجل الفلسطيني أدب ضارب في القدم، تجذر ضمن المنظومة التراثية للمنطقة، وله ميزة عن غيره فهو واحد من أهم الفنون الشعبية في العالم التي لم تتوقف عن التأقلم مع متغيرات الزمن، فكان بحق ديوان فلسطين، وكِتاب ثورتها.

ويرى الباحث في التراث الشعبي الفلسطيني “حسين لوباني” أن الزجل هو كلام العوام الموزون المقفى بالنكهة الموسيقية، ويختلف عن الشعر بوجود ألفاظ عامية فيه.

بينما اعتبره مدير مؤسسة فلسطين للثقافة “أسامة الأشقر” أنه مجموعة من الأشعار ذات الطبيعة الشعبية الخالية من الإعراب، لكنها تتميز بإيقاعات طبيعة متنوعة جدا وفيها تلوين هائل.

استُخدم الزجل الشعبي في الغزل والفخر والمديح ووصف الحروب، ودخل في قلب المجتمعات وأصبح جزءا من مكوناتها الثقافية التي يتخاطبون بها في مساحة جغرافية محددة.

وكما الشعر العربي، فقد ساهمت بيئة الأندلس الخلابة في الإضافة إلى أغراض الزجل ورفدته بكثير من الروافد، فجمال الطبيعة والدعة والراحة أحالت أغراض هذا النوع من الأدب الشعبي إلى الوصف والغزل.

لكن بعد سقوط الأندلس، صار للتصوف مكانة في الحياة الاجتماعية، لذلك فقد جنح الزجل نحو التصوف والزهد، وضعفت الأزجال بفعل التحولات شأنه في ذلك شأن كل الفنون، ولكنْ قُتل عهد ليظهر عهد جديد، قتل عهد الزجل في الأندلس ليظهر في المشرق العربي.

فقد اعتنقه الفلاح الفلسطيني وبدأ يصوغه في قالب خاص، وانسابت الأزجال في أرجاء تلك البلاد، بلهجاتها المختلفة وأساليبها المتنوعة، وانطلقت حالة زجلية عاشت وتناقلت بالتوارث، طيلة عهود متوالية حتى العهد العثماني.

كان الزجل سجلا لكل شيء يتعلق بالأرض الفلسطينية. وكما يقول الشاعر الشعبي فيصل بلعاوي إن الناس كانوا يتغنون للأرض ولمواسم الحصار وقطاف الزيتون، وفي الأفراح وفي مواسم استقبال الحجاج.

ارتبط الزجل ارتباطا وثيقا بالأرض والخضرة والمطر، لذلك كان أكثر اشتهاره في شمال فلسطين في منطقة الجليل، المعروفة بطبيعتها الساحرة.

العتابا والميجانا والجفرا

ترتبط معظم فنون الزجل في فلسطين بقصة حب أسطورية انتهت بالفراق لسبب من الأسباب، مما يترك في قلب الحبيب من الألم والحسرة ما يفيض على لسانه شعرا رقيقا فيه الحب والتناجي والعتاب واللوعة.

فأصل منظومة “العتابا” في الزجل أن امرأة جميلة اسمها عتاب أحبها شاعر وتغنى بسحر جمالها، مبتدئا كلامه بـ”عتابا عاتبتني وأنا شبيب”، ويقال إن أول من نظم العتابا هو ابن عابد الفلسطيني الذي عاش في شمال فلسطين.

بيت العتابا يتكون من ثلاثة أشطر، ويعتمد نظم مثلثات العتابا على جناس اللفظة في الكلمات الأخيرة من كل شطر، فصورة الكلمة فيها واحد لكن معناها يختلف، وهي من أوسع صنوف الزجل وأكثرها انتشارا، لما تتميز به من جمال في النظم وبلاغة في العرض وعذوبة في الأداء.

عتابا بين برمي وبين لفتي
عتابا ليش لغير وِلفتي
أنا ما روح للقاضي ولا إفتي
عتابا بالثلاث مطلقا
أما “الميجانا”، فتقول الرواية إن أميرا تزوج من فتاة جميلة جدا، وكان يحبها كثيرا ويخاف أن يراها الناس؛ فأسكنها في غابات الجرمك في شمال فلسطين، وكان يذهب إلى الصيد ويعود إليها في المساء، وفي أحد الأيام جاء صيادون فاختطفوها.

ولما عاد الأمير إلى بيته ولم يجدها، اعتقد أنها هربت وتركته فصار كلما يدق بأداة الميجانا (المطرقة)  يخاطبها ويقول:

ميجانا ويا ميجانا

بالله تقولي كيف حال حبابنا

وكانت قصة العاشق “ظريف” وحبيبته “عنات” أصل الأغنية الشهيرة “ظريف الطول”، فقد عزم ظريف على مغادرة القرية بعد أن منعه أهل حبيبته من الزواج بها وبعد أن أصابها المرض من تعلقها به. وعندما عزم على الرحيل غنت له:

يا ظريف الطول وقف تقلك
رايح عالغربة وبلادك أحسنلك
يا ظريف الطول يوم غربوك
شعر راسي شاب والظهر انحنى

أما “الجفرا”، فهي قصة أحمد عزيز العاشق لابنة عمه التي رفضت الاستمرار بالزواج منه، فانطلق لسانه الزاجل بلفظ جفرا، وهي الماعز التي لم تبلغ الحول من عمرها:
جفرا وهي يالربع على حيطان أبوها
تمشي الفي الفي من خوف يشوفوها

وهناك صنف آخر من صنوف الزجل، وهو ما يعرف بـ”الفرعاوي”، الذي يعتبر الأقرب إلى الشعر النبطي المنتشر في الجزيرة العربية، وهو من الشعر الميداني الذي يتسم بالحركة والمسيرة، سواء أكان في الزفة أو في السهرة، ويعتبر من أسهل ألوان الزجل. ففيه يقول الزجال:
حِنَّا فرسان الميدان
يا ويل اللي يعادينا
ويردد الجمهور:
حنَّا فرسان الميدان
يا ويل اللي يعادينا

وهناك منظومة “القرّادي”، وهي طلعات شعرية بألحان متنوعة وفيه تراث تعود جذوره إلى الأيام التي خاض فيها فحول الشعراء المبارزات في عكاظ أمام جمهور الحرف الفصيح.

المصدر: الجزيرة الوثائقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى